. عماد الدين خليل
كلما عَجَنتْه المحن ازداد قوة وصلابة.. كلما محّصته النار نفض عنه الدَّخل وتمحّض ذهبًا خالصًا.. كلما تناوشته الخطوب طالت قامته ومضى إلى غايته بثقة تزلزل الجبال الرواسي.. كلما أحدقت به سكاكين الكراهية والبغضاء ازداد صحة وعافية... زرعًا يخرج شطأه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار.
وليس من قبيل المبالغة إذا خمّن المرء أنه ما من مرحلة من مراحل التاريخ اشتد الكيد لهذا الدين، وتكالب عليه الخصوم من كل مكان، وحرّض المحرّضون، كالمرحلة الراهنة التي يُراد فيها للإسلام أن يفقد كل قدراته الفاعلة، وأن يغدو حملاً وديعًا لا حول له ولا طَوْل.
إنهم يسعون إلى تجفيف منابعه الدعوية والحركية والتربوية والفكرية والمالية؛ لكيلا يبقوا له شيئًا على الإطلاق.
إنهم يؤلبون عليه الأعداء والأصدقاء، وهم يتداعون من كل مكان، بالصيحة نفسها: حجّموا هذا العملاق.. حاولوا أن تقزّموه.. أن تجرّدوه من كل قدرة على الفعل، وأن تحبسوه في الصوامع والمساجد لا يغادرها إلى الحياة أبدًا؛ الأرصدة المالية.. المؤسسات الخيرية.. الأنشطة الدعوية.. المدارس الدينية كلها يجب أن تُقفل، ويوضع على أبوابها الشمع الأحمر؛ لكي لا يجرؤ أحد على كسر الأقفال والدخول.
للوهلة الأولى.. للنظرة السريعة.. للحسابات الساذجة.. يبدو أن الإسلام قد هُزم إزاء أعتى موجه مضادة في تاريخه على الإطلاق، ولكن الأمر في حقيقته خلاف ذلك كله.
فالإسلام ازدادت قامته ارتفاعًا.. وهو منذ بداياته الأولى كان يتألق ويزداد فاعلية وعطاء كلما ادلهمت الخطوب، وتناوشته التحديات.
سيقف هذا المقال لحظات عند حلقة واحدة من حلقات التفوق الإسلامي على الكيد والتآمر.. حلقة الانتشار المدهش في الساحات الغربية؛ فإن عدد الذين أعلنوا إسلامهم في الولايات المتحدة الأمريكية عبر السنوات الخمس الأخيرة كانوا أكثر من السنوات الخمس التي سبقتها بحساب الأرقام، والأمر نفسه شهدته الساحة الكندية.
إنهم يحبون أن يتعرفوا على هذا الدين.. وبمجرد تعرفهم عليه يقتنعون بمصداقيته ويعلنون انتماءهم إليه.. إن له قوة جذب مدهشة (للآخر) وهو يتعامل معه بصدق وموضوعية.. إنه دين معقلن بمعنى الكلمة، لا ينطوي على أية مفردة تندُّ عن حكم العقل والمنطق على الإطلاق.
في أوربا يحدث الشيء نفسه.. ولن يتسع المجال لمتابعة التفاصيل، ولنتابع -بدلاً من ذلك- عينة واحدة قد تغني عن الاستقصاء تحت عنوان: (بلجيكا.. أعلى معدل لاعتناق الإسلام في أوربا) نشر موقع (إسلام أون لاين) بتاريخ 26/2/2006م:
"في مقهى بشارع (ليمونييه) في قلب العاصمة البلجيكية بروكسل حيث تتركز غالبية عربية، كثيرًا ما يردّد شباب المسلمين المقدم على الزواج تعبيرًا مغاربيًّا دارجًا: (جبتها)، وهي كلمة يُقصد منها تحول البلجيكيات إلى الإسلام كشرط للزواج منهن، إلاّ أن هذا ليس السبب الوحيد ولا الرئيس لاعتناق البلجيكيين الإسلام".
ويقول موفد (إسلام أون لاين) إلى بروكسل: إن ظاهرة اعتناق الإسلام لا تنحصر في الشابات البلجيكيات فحسب، بل في الشباب البلجيكي أيضًا؛ الأمر الذي دفع جريدة (لوسوار) البلجيكة لدقّ ما اعتبرته (ناقوس الخطر).
وذكرت الصحيفة في عددها الصادر يوم 18/2/2006م أن الإحصائيات تقول: إن عدد البلجيكيين الذين اعتنقوا الإسلام وصل لنحو (40) ألفًا في الأعوام القليلة الماضية، وهو المعدل الأعلى في أوربا، خاصة إذا ما قورن بعدد سكان بلجيكا (10 ملايين نسمة)؛ مما دفع اليمين المتطرف البلجيكي للتحذير من نتائج الزواج المختلط بحسب (لوسوار). ويبلغ عدد إجمالي مسلمي بلجيكا (450) ألفًا.
ويؤكد (جيروم فرانسوا) (27 سنة) أحد هؤلاء المعتنقين الجدد للإسلام، في لقاء له مع شبكة (إسلام أون لاين) في 20/2/2006م أن زواجه بمغربية جاء بعد أن اعتنق الإسلام، وأن اعتناقه للإسلام قبل سبع سنوات لم يكن سببه أنه كان يريد الارتباط بمغربية مسلمة، بل إن بحثه الخاص عن (الإشباع الروحي والحقيقة الدينية) هو الذي أتى به إلى الإسلام.
وعن سر اقتناعه بالإسلام يقول (جيروم): "إنه دين بلا وسطاء"، ويضيف: "هذا ما كنت أبحث عنه. وعندما نطقت الشهادتين، وبدأت الصلاة، وتزوجت من مسلمة شعرت في داخلي أني كنت دائمًا مسلمًا، وأن الأمر كان يتعلق بتكملة ضرورية".
"الشعور بكون المرء مسلمًا حتى قبل أن يسلم قاد أيضًا (فرانسوا كلارنفال) (47 سنة) إلى الإسلام. وقال: "إن مساره نحو الإسلام كان مسارًا للبحث عن الحقيقة". وكان (كلارنفال) قد مر بتحولات عديدة في حياته؛ فمن مراهق كاثوليكي، إلى ناشط في الحزب الشيوعي، إلى ملحد. ولم يجد ما يشبع رغبته الروحية إلاّ في الإسلام؛ إذ يقول: "عندما اكتشفت الإسلام أحسست أني وصلت إلى بيتي وإلى عائلتي"